فصل: فإنْ يَكُنْ مُدَّعِياً حَالَ العَدَمْ *** طُولَ مَغِيبِهِ وحَالُهُ انْبَهَمْ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة ***


وَحُكْمُ مَا عَلَى بَنِيهِ أَنْفَقَتْ *** كَحُكْمِ ما لِنْفِسهَا قَدْ وثَّقَتْ

‏(‏وحكم ما على بنيه أنفقت‏)‏ مبتدأ ومضاف إليه وما واقعة على الإنفاق وأنفقت صلته والرابط محذوف ‏(‏كحكم ما لنفسها قد وثقت‏)‏ خبر عن المبتدأ والمعنى أن حكم الزوجة إذا أنفقت على أولادها الصغار من زوجها الغائب كحكم إنفاقها على نفسها فإن رفعت أمرهم كان القول قولها من حين الرفع مع يمينها، وإلاَّ فالقول قوله مع اليمين ومحل رجوعها بنفقتها في المسألة قبلها وبنفقة بنيها في هذه إن ثبت يسره في غيبته أو خرج موسراً، وأما إن ثبت عسره في غيبته أو جهل حاله فيها ولكن خرج معسراً وقدم كذلك فلا تتبعه لا بنفقتها ولا بنفقة أولادها ولا تحاص بها الغرماء، ويفهم هذا الشرط من تنصيصه على مجهول الحال في قوله بعد‏:‏ فإن يكن مدعياً حال العدم الخ، فأما إن كانت له أصول في البلد فتباع لها في النفقة إلا دار السكنى، فإنها تباع للزوجة دون الأولاد كما مر تحصيله أول الباب فيفترقان في هذه كما يفترقان في مسألة أخرى ذكرها ابن فرحون في ألغازه قال‏:‏ رجل غائب ويسره في غيبته معلوم، فلما قدم ألزمناه بنفقة الزوجة دون الأولاد فترجع عليه الزوجة بنفقتها على نفسها، وكذلك لو كان المنفق أجنبياً فإنما يرجع بنفقة الزوجة لأنه يقول‏:‏ إن كنت عندكم موسراً في ظاهر أمري فأنا أعلم من باطن أمري أن نفقة ولدي لا تلزمني لما أعلمه من عسري، فالقول قوله في ذلك دون يمين ولا تلزمه نفقة الأولاد اه باختصار‏.‏ وهو موافق لما مر من أن المنفق على الصغير لا يرجع إلا مع علم ماله أو علم يسر أبيه، وهذا وإن قدم من غيبته موسراً فهو مصدق في أنه كان وقت الإنفاق معسراً ومن ادعى يسره وقته فعليه الإثبات فقوله‏:‏ ويسره في غيبته معلوم يعني في ظاهر الحال لكونه خرج موسراً أو قدم كذلك والله أعلم‏.‏

فإنْ يَكُنْ قَبْلَ الْمَغِيبِ طَلَّقَا *** فَالقَوْلُ قَوْلُهَا بِذَاكَ مُطْلَقَا

‏(‏فإن يكن‏)‏ شرط واسمها ضمير الزوج ‏(‏قبل المغيب‏)‏ يتعلق بقوله ‏(‏طلقا‏)‏ والجملة خبرها ‏(‏فالقول قولها‏)‏ مبتدأ وخبر والجملة جواب الشرط ‏(‏بذاك‏)‏ الباء بمعنى في متعلقة بقوله ‏(‏مطلقا‏)‏ حال وإنما كان القول قولها في نفقتها على نفسها وعلى أولادها مطلقاً رفعت للحاكم أم لا‏.‏ لأنها ليست في حوزه فلا يمضي قوله عليها كما مر‏:‏

إنْ أَعْمَلَتْ فِي ذلِكَ اليَمِينَا *** وَأثْبَتَتَ حَضَانَةَ الْبَنِينَا

‏(‏إن أعملت في ذلك اليمينا‏)‏ شرط في قبول قولها وجوابه محذوف للدلالة عليه ‏(‏ وأثبتت حضانة البنينا‏)‏ هذا يرجع لهذه وللتي قبلها، وهذا مستغنى عنه بقوله فيما مر، وغير موص يثبت الكفالة الخ‏.‏ ثم إذا كان في غيبته موسراً أو معسراً فلا إشكال كما مر، وإن كان مجهول الحال فهو قوله‏:‏

فإنْ يَكُنْ مُدَّعِياً حَالَ العَدَمْ *** طُولَ مَغِيبِهِ وحَالُهُ انْبَهَمْ

‏(‏فإن يكن مدعياً حال العدم طول‏)‏ منصوب على الظرفية يتعلق بمدعيا ‏(‏مغيبه‏)‏ مضاف إليه ‏(‏وحاله انبهم‏)‏ مبتدأ وخبر والجملة حالية‏.‏

فحَالَةُ القُدُومِ لابْنِ القَاسِمِ *** مُسْتند لها قَضَاءُ الحَاكِمِ

‏(‏فحالة القدوم‏)‏ مبتدأ ‏(‏لابن القاسم‏)‏ اللام بمعنى عند كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أقم الصلاة لدلوك الشمس‏}‏ ‏(‏الإسراء‏:‏ 78‏)‏ ‏(‏مستند‏)‏ خبر ‏(‏لها‏)‏ يتعلق به ‏(‏قضاء الحاكم‏)‏ نائب الفاعل بمستند‏.‏

وَمُعْسِرٌ مَعَ اليَمِينِ صُدِّقَا *** ومُوسِرٌ دَعْوَاهُ لَنْ تُصَدَّقَا

‏(‏فمعسر‏)‏ مبتدأ سوغه التفصيل لما قبله‏.‏ ‏(‏مع اليمن‏)‏ يتعلق بقوله ‏(‏صدقا‏)‏ والجملة خبر ‏(‏وموسر‏)‏ مبتدأ ‏(‏دعواه‏)‏ مبتدأ ثان ‏(‏لن تصدقا‏)‏ خبر عن الثاني والثاني وخبره خبر عن الأول والرابط الضمير المجرور بدعواه، والمعنى إذا قدم الزوج من غيبته وادعى العسرة مدة مغيبه لتسقط نفقتها عنه، وكانت حاله في الغيبة ووقت خروجه مجهولة لا يدري أكان موسراً وقتئذ أو معسراً ولم تصدقه الزوجة أو المنفق عليها في دعواه، فالمشهور وهو مذهب ابن القاسم أنه ينظر إلى حال قدومه فإن قدم معسراً صدق مع يمينه ولا يصدق إن قدم موسراً ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وإن تنازعا في عسره في غيبته اعتبر حال قدومه، وهذا من الاستصحاب المعكوس وهو ضعيف عند الأصوليين، وهذا كله في نفقة الزوجة، وأما نفقة الأولاد فتقدم أنه مصدق وإن قدم موسراً، وأما الأبوان فتقدم أيضاً أنه لا يفرض لهما مع جهل حال الغائب أو علم عسره وما في ‏(‏ز‏)‏ من أن نفقة الأولاد والأبوين في هذا كالزوجة غير سديد لأن نفقة الأولاد عنده لا يشترط في الرجوع بها علم يسر الأب كما قدمه عند قوله وحلف أنه أنفق ليرجع وهو مصادم لنقل ابن رشد وغيره والله أعلم‏.‏ وانظر لو أنفق على الولد أجنبي مع علمه بالدار للأب والظاهر أنه لا رجوع لأنه في حكم الفقير فلم يقم عنه بواجب انظر ما تقدم أول الباب‏.‏

وَقِيلَ باعْتِبَارِ وَقْتِ السَّفَرِ *** وَالحُكْمُ باسْتِصْحَابِ حَالَهِ حَرِي

‏(‏وقيل باعتبار وقت السفر والحكم باستصحاب حاله حري‏)‏ هذا هو مفهوم قوله‏:‏ وحاله انبهم فحقه أن لا يحكيه بقيل فلو أخره عن البيت بعده وقال عوضاً منه‏:‏

وحاله إن علمت وقت السفر *** فالحكم باستصحابها دون نظر

لأجاد كما قاله ولده لأن حاله في وقت السفر إذا علمت كان العمل عليها بلا خلاف حتى يثبت ما يخالفها فذكره في تعداد الأقوال التي موضوعها انبهام الحال غير سديد، ثم أشار إلى مقابل المشهور بقوله‏:‏

وَقِيلَ بالحَمْلِ عَلَى اليَسَارِ *** والقَوْلُ بالتَّصْدِيقِ أيْضاً جَارِي

‏(‏وقيل‏)‏ مبني للمفعول ‏(‏بالحمل‏)‏ نائبه ‏(‏على اليسار‏)‏ فلا يصدق فيما ادعى أنه كان في مغيبة معدماً وإن قدم معدماً لأن الغالب الملاء ولأن كل عديم ادعى العدم فعليه البينة، وهذا القول لابن الماجشون ‏(‏والقول‏)‏ مبتدأ ‏(‏بالتصديق‏)‏ يتعلق به ‏(‏أيضاً‏)‏ مفعول مطلق ‏(‏جاري‏)‏ خبر أي فيصدق في دعواه الإعسار حالة الغيبة سواء قدم موسراً أو معسراً وهو لسحنون وابن كنانة قال في ضيح‏:‏ ووجه أن الأصل العدم‏.‏

فصل فيما يجب للمطلقات وغيرهن من النفقة وما يلحق بها

كالإرضاع وأجرته‏.‏

إسْكَانُ مَدْخُولٍ بِهَا إلى انْقِضَا *** عِدَّتِهَا مِنَ الطَّلاقِ مُقْتَضَا

‏(‏إسكان‏)‏ مبتدأ ‏(‏مدخول‏)‏ مضاف إليه ‏(‏بها‏)‏ يتعلق به ‏(‏إلى انقضاء عدتها‏)‏ يتعلق بإسكان ‏(‏من الطلاق‏)‏ البائن صفة لعدتها ‏(‏مقتضى‏)‏ خبر أي مطلوب بحكم الشرع لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن‏}‏ ‏(‏الطلاق‏:‏ 41‏)‏ الآية لأن السكنى حق لله فليس له ولا لها إسقاطها، ولذا كانت ترجع للسكنى إن خرجت لحجة الضرورة فمات أو طلق على ما هو مبين في ‏(‏خ‏)‏ وغيره وقد تساهلت الناس اليوم فصارت المرأة إذا طلقها زوجها أو مات عنها تذهب لأهلها ولا يجبرها الحاكم على البقاء في بيتها إلى انقضاء عدتها، وإذا قضى عليها بالمقام في بيتها لانقضاء عدتها فأرادت أن تسكن معها أمها أو قريبة لها فلها ذلك ولا تترك وحدها ولا مقال لزوجها كما في ابن سلمون وغيره، ومفهوم قوله مدخول بها أن غيرها لا سكنى لها وهو كذلك إذ لا عدة عليها من الطلاق‏.‏

وذَاتُ حَمْلٍ زِيدَتِ الإنْفَاقَا *** لِوَضْعِهَا وَالْكِسْوَةَ اتِّفَاقَا

‏(‏وذات حمل‏)‏ مبتدأ ‏(‏زيدت‏)‏ مبني للمفعول ونائبه ضمير المبتدأ ‏(‏الإنفاقا‏)‏ مفعول ثان لزيدت ‏(‏لوضعها‏)‏ يتعلق بزيدت ‏(‏والكسوة‏)‏ معطوف على الإنفاق ‏(‏اتفاقاً‏)‏ حال والمعنى أن المطلقة طلاقاً بائناً إذا كانت حاملاً فإنه يزاد لها على السكنى النفقة والكسوة إلى وضع حملها إذ كل حامل لها النفقة والكسوة إلا المتوفى عنها والملاعنة، وقوله‏:‏ لوضعها أي ولو وضعته لخمسة أعوام والنفقة بقدر وسعه وحالها كما مر‏.‏ وكما يأتي في قوله‏:‏ بحسب الأقوات والأعيان والسعر والزمان والمكان ‏(‏خ‏)‏‏:‏ فيفرض الماء والزيت والحطب والملح واللحم المرة بعد المرة، وانظر نوادر الطلاق والرجعة والعدة من نوازلنا التي جمعناها فإن الكلام فيها أوسع، وأما الكسوة فيفرض لها الدرع أي القميص والخمار أي ما تخمر به رأسها أي ما تغطيه به والإزار وينظر إلى الغالب من مدة الحمل، فإن قيل غالبه تسعة أشهر قيل‏:‏ وكم ثمن هذه الكسوة وفي كم تبلى ‏؟‏ فإن قيل تبلى في سنتين قسم ثمنها عليه وكسيت بحسبه انظر ما تقدم عند قوله‏:‏ ولبس ذات الحمل بالحمل اقترن‏.‏ كما لو طلقها بقرب وضعها فلها بقدر ذلك من الكسوة ثمناً ‏(‏خ‏)‏ وفي الأشهر قيمة منابها‏.‏

وما لها إنْ مَاتَ حَمْلٌ مِنْ بقَا *** واسْتثِنْ سُكْنى إنْ يَمُتْ مَنْ طَلَّقَا

‏(‏وما‏)‏ نافية ‏(‏لها‏)‏ خبر مقدم والضمير للكسوة وأحرى النفقة ‏(‏إن مات حمل‏)‏ شرط وفاعله وجوابه محذوف للدلالة عليه ‏(‏من بقا مبتدأ جر بمن الزائدة، والمعنى أنه لا بقاء للنفقة والكسوة إن مات الحمل في بطن أمه، واعترفت بموته لأن النفقة إنما كانت لها لأن الولد يتغذى بغذائها فإذا مات لم يبق له غذاء بهذا‏.‏ أجاب ابن دحون وابن الشقاق وغيرهما، وهو المعتمد كما في الأجهوري وما في زمن أن المعتمد هو استمرار نفقتها ومسكنها إن مات في بطنها إلى وضعها إذ بذلك وقع الحكم من القاضي‏.‏ ابن محرز‏.‏ وأفتى به آخرون الخ‏.‏ معترض، وأما المسكن فيستمر لها وإن مات في بطنها إلى وضعه إذ به تخرج من العدة كما في ‏(‏ح‏)‏ عن المشذالي وغيره قائلاً هو صريح القرآن الكريم، وإنما حملنا النظم على ما إذا مات في بطنها ولم تضعه لأنه الذي فيه النزاع وهو المتوهم، وأما إذا مات بعد وضعه أو وضعته ميتاً فقد خرجت من عدتها فلا يتوهم أحد استمرار شيء من النفقة والكسوة والإسكان لها‏.‏ ‏(‏ واستثن‏)‏ أمر ‏(‏سكنى‏)‏ مفعوله ‏(‏إن يمت‏)‏ شرط ‏(‏من‏)‏ فاعله ‏(‏طلقا‏)‏ صلة والمعنى أن المطلق إذا مات قبل وضع الحمل، أو قبل انقضاء العدة إن لم تكن حاملاً فإن النفقة والكسوة يسقطان وتبقى السكنى للوضع وانقضاء العدة لأنها حق تعلق بذمته فلا يسقطه الموت كسائر الديون كان المسكن له أم لا‏.‏ نقد كراء أم لا‏.‏ ويؤخذ الكراء من رأس ماله بخلاف الرجعية أو التي في العصمة فلا يستمر لها السكنى إن مات إلا إن كان له أو نقد كراءه كما يأتي، وهذا الشطر كالاستثناء المنقطع لأن المستثنى منه موت الحمل وهذا موت الزوج المطلق، وأيضاً الحكم في المستثنى وهو سقوط النفقة والكسوة وبقاء السكنى هو الحكم في المستثنى منه كما قررنا، فلو قدم هذا الشطر على الذي قبله لكان مستثنى من قوله‏:‏ زيدت الإنفاق الخ، ويكون الضمير في لها عائداً على النفقة لأنها المحدث عنها والكسوة تابعة لها، ويصح أن يبقى على حاله ويكون مستثنى من مفهوم قوله‏:‏ إن مات حمل أي فإن لم يمت فيستمران إلا إن مات المطلق فيسقطان وتبقى السكنى أي‏:‏ واستثنى السكنى مما إذا لم يمت الحمل ومات المطلق، وإنما سقطت الكسوة والنفقة حينئذ لأن الحمل صار وارثاً ولا نفقة لأمه في ماله أيضاً بل هي التي تنفق على نفسها ولا ترجع بشيء كما في المقصد المحمود وغيره‏.‏

وَفِي الْوَفَاةِ تَجِبُ السُكْنى فَقَدْ *** في دارِهِ أوْ ما كِرَاءَهُ نَقَدْ

‏(‏وفي الوفاة‏)‏ يتعلق بقوله ‏(‏تجب السكنى‏)‏ فاعل ‏(‏فقد‏)‏ اسم فعل بمعنى اكتف ويصح أن يكون بمعنى حسب ‏(‏في داره‏)‏ يتعلق بالسكنى ‏(‏أو ما‏)‏ موصولة معطوفة على داره واقعة على البيت أو المسكن ‏(‏كراءه‏)‏ مفعول بقوله ‏(‏نقد‏)‏، والجملة صلة والرابط الضمير في كراءه، والمعنى أن التي توفي عنها زوجها وهي في عصمته أو رجعية تجب لها السكنى فقط كانت حاملاً أم لا بشرطين‏.‏ أحدهما‏:‏ أن يكون قد دخل بها فإن لم يدخل بها أصلاً أو دخل بها وهي غير مطيقة فلا سكنى لها لأن الدخول بغير المطيقة كالعدم إلا أن تكون صغيرة لا يوطأ مثلها وأسكنها معه في حياته ثم مات فلها السكنى حينئذ في العدة‏.‏ عند ابن القاسم، لأن إسكانها معه بمنزلة دخولها بها‏.‏ ثانيهما‏:‏ أن يكون المسكن مملوكاً له أو نقد كراءه قبل موته فإن انقضت مدة النقد قبل انقضاء مدة العدة لم يلزم الوارث سكناها بقية المدة، وظاهره أن لها السكنى فيما نقده كان الكراء وجيبة أي مدة معينة أو مشاهرة ككل شهر أو يوم أو سنة بكذا وهو كذلك، ومفهومه أنه إذا لم ينقد لا سكنى لها وجيبة كان أيضاً أو مشاهرة وهو كذلك على المعتمد، وقيل‏:‏ لها السكنى في الوجيبة لأنها بمنزلة النقد وإن لم ينقد بالفعل ‏(‏ خ‏)‏‏:‏ وللمتوفى عنها السكنى إن دخل والمسكن له أو نقد كراءه لا بلا نقد وهل مطلقاً أو إلا الوجيبة تأويلان اه‏.‏ فقول الناظم‏:‏ وفي الوفاة هو على حذف مضاف وأل عوض عن الضمير أي وفي عدة وفاته، ولا تجب عدة الوفاة إلا إذا مات عنها وهي في عصمته أو رجعية، وأما إن مات عنها وهي مطلقة بائنة فعليها عدة الطلاق وتجب لها السكنى مطلقاً كان المسكن له أو نقد كراءه أم لا كما مر‏.‏ ولما كانت الحامل قد يطول حملها فتستمر نفقتها وكسوتها وسكناها إن كانت مطلقة أو سكناها فقط إن كانت متوفى عنها احتاج إلى بيان أقصى الحمل فقال‏:‏

وَخَمْسَةُ الأَعْوَامِ أقْصى الحَمْلِ *** وَسِتَّةُ الأَشْهُرِ فِي الأقلِّ

‏(‏وخمسة الأعوام‏)‏‏)‏ مبتدأ ‏(‏أقصى الحمل‏)‏ خبره فإذا مضى للبائن ثلاثة أشهر من طلاقها فقالت إن عدتها لم تنقض وكانت متهمة حلفت سواء كانت محجورة أم لا، لأن الدعوى عليها في بدنها وتمادت على سكناها إلى انقضاء السنة وللزوج إحلافها في كل ثلاثة أشهر فإذا انقضت السنة نظر إليها النساء فإن أحسسن بريبة وشككن هل حركة ما في بطنها حركة ولد أو حركة ريح حلفت أيضاً أن عدتها لم تنقض وتمادت في السكنى إلى انقضاء خمسة أعوام فتنقطع سكناها ويحل لها التزوج، وإن قالت أنا باقية على ريبتي لأن خمسة أعوام أمد ينتهي إليه الحمل على المشهور وحكم المتوفى عنها إذا كان المسكن له أو نقد كراءه حكم هذه ثم إنه لا نفقة للمتوفى عنها ولا كسوة كما مر وكذا البائن في هذا الوجه لأن الحمل لم يثبت، وإنما أحست النساء بالريبة فقط فإن ثبت وشهدت القوابل العارفات بأنهن لمسن بطنها لمساً تاماً شافياً فتحقق أن بها حملاً ظاهراً قد تحرك وفشا الخ‏.‏ فيزاد لها حينئذ النفقة والكسوة للأمد المذكور، ويجب لها ذلك من أول الحمل كما مرّ فإن انقضى الأمد المذكور والموضوع بحاله من تحقق الولد لم يحل لها التزوج أبداً كما في ‏(‏ح‏)‏ عن اللخمي وانظر هل تستمر لها النفقة والكسوة أيضاً وهو الظاهر لقولهم تجب النفقة للحامل ما دام الولد حياً في بطنها أو لا يستمر لها ذلك لطرو الريبة بطول المدة والخروج عن العادة‏.‏

تنبيه‏:‏

نقل ابن سلمون عن الاستغناء أن الزوج إذا خاف أن تجحد مطلقته الحيض لتمام المدة وكانت ممن تتهم فله أن يجعل معها امرأة صالحة تترقب ذلك منها وتتعرف أحوالها ويعمل على قولها اه‏.‏

قلت‏:‏ وهذا ظاهر ولو على القول المعمول به من أنها لا تصدق في انقضاء عدتها في أقل من ثلاثة أشهر، لأن هذا القول يقول لا تصدق في الانقضاء في أقل من المدة المذكورة، وأما إذا قالت لم تنقض فهي مصدقة عنده وعند غيره ولكنها تحلف كما مر‏.‏

‏(‏وستة الأشهر‏)‏ مبتدأ ‏(‏في الأقل‏)‏ خبره يعني أن أقل الحمل ستة أشهر بإجماع العلماء لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وحمله وفصاله ثلاثون شهراً‏}‏ ‏(‏الأحقاف‏:‏ 51‏)‏ مع قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين‏}‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 233‏)‏ وقال أيضاً‏:‏ وفصاله في عامين‏}‏ ‏(‏لقمان‏:‏ 14‏)‏ فإذا سقطت مدة الفصال التي في الآيتين الأخيرتين من الثلاثين بقي للحمل ستة أشهر، فإذا ولدت المرأة لأقل من ستة أشهر من يوم العقد لم يلحق بالزوج وانتفى عنه بغير لعان كما تقدم في باب اللعان‏.‏

وَحَالُ ذَاتِ طَلْقَةٍ رَجْعِيَّهْ *** فِي عِدَّةٍ كَحَالَةٍ الزَّوْجَيَّهْ

‏(‏وحال ذات‏)‏ مبتدأ ‏(‏طلقة‏)‏ مضاف بعد مضاف ‏(‏رجعية‏)‏ نعت لطلقة ‏(‏في عدة‏)‏ يتعلق بحال ‏(‏كحالة الزوجية‏)‏ خبر‏.‏

مِنْ وَاّجبٍ عَلَيْهِ كالإنْفَاقِ *** إلاَّ فِي الاسْتِمْتاعِ بالإطْلاَقِ

‏(‏من واجب‏)‏ من بمعنى في تتعلق بالاستقرار في الخبر ‏(‏عليه‏)‏ يتعلق بواجب ‏(‏ كالإنفاق‏)‏ خبر لمبتدأ محذوف ‏(‏إلا‏)‏ استثناء من عموم كحالة الزوجية ‏(‏في الاستمتاع‏)‏ يتعلق بما تعلقت به من الظرفية المتقدمة ‏(‏بالإطلاق‏)‏ حال من الاستمتاع، والمعنى أن حال الرجعية وقت عدتها كحال الزوجة التي في العصمة في وجوب النفقة لها وجواز إرداف الطلاق عليها ولزوم الظهار والإيلاء منها وثبوت الميراث وانتقالها لعدة الوفاة في موته عنها وغير ذلك من الأحكام إلا في الاستمتاع بها ولو بنظرة لذة، فإنه يحرم ولا تكون فيه كالزوجة حتى يرتجعها بنية، قال ابن الحاجب‏:‏ ولو قال نسائي طوالق اندرجت الرجعية ‏(‏خ‏)‏‏:‏ والرجعية كالزوجة إلا في تحريم الاستمتاع والدخول عليها والأكل معها‏.‏ 5

وَحَيْثُ لاَ عِدَّةَ لِلْمُطَلَّقَهْ *** فَلَيْسَ مِنْ سُكْنى وَلا مِنْ نَفَقَهْ

‏(‏وحيث‏)‏ ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه ‏(‏لا‏)‏ نافية للجنس ‏(‏عدة‏)‏ اسمها ‏(‏للمطلقة‏)‏ خبرها، والجملة في محل جر بإضافة حيث إليها ‏(‏فليس‏)‏ جواب الشرط ‏(‏من سكنى‏)‏ اسمها جر بمن الزائدة ‏(‏ولا من نفقة‏)‏ معطوف على ما قبله وخبرها محذوف للعلم به تقديره لها على الزوج، والمعنى أن المطلقة إذا كانت لا عدة عليها لكونها طلقت قبل البناء أو كانت غير مطيقة وإن وطئت بالفعل لأن وطء غير المطيقة كالعدم أو كان الزوج مجبوباً فإنه لا نفقة لها ولا كسوة ولا سكنى وقد بانت وحلت للأزواج من حينها‏.‏

والحاصل أنه كلما انتفت العدة انتفى لازمها من السكنى والنفقة ولا عكس، لأنه إذا وجبت العدة فقد ثبتت النفقة والسكنى كما إذا كانت المطلقة حاملاً أو رجعية وقد ينتفيان كما إذا لم تعلم خلوة بينهما وادعت المسيس أو علمت في زيارته لها فعليها العدة لإقرارها بسببها في الأولى ولعلم الخلوة في الثانية وإن لم تقر بالوطء‏.‏ ‏(‏خ‏)‏‏:‏ تعتد حرة بخلوة بالغ ولا نفقة لها ولا سكنى لأنها مطلقة قبل البناء على زعمه فهي بائن غير حامل، فإن ظهر بها حمل والموضوع بحاله فإن لاعن فيه فلا شيء لها، وإلا فلها النفقة والسكنى كما مر ما لم تضعه لأقل من ستة من يوم العقد وإلا انتفى بغير لعان كما مر‏.‏

وَلَيْسَ لِلرَّضِيعِ سُكْنَى بالْقَضَا *** عَلَى أبِيهِ وَالرَّضَاعُ مَا انْقَضَى

‏(‏وليس للرضيع سكنى‏)‏ اسم ليس خبرها في المجرور قبله ‏(‏بالقضا على أبيه‏)‏ يتعلقان بالاستقرار في الخبر ‏(‏والرضاع‏)‏ مبتدأ ‏(‏ما‏)‏ نافية ‏(‏انقضى‏)‏ خبر والجملة حالية مقرونة بالواو يريد أن من طلق زوجته وله معها ولد رضيع، فإنه لا سكنى للرضيع على أبيه لأن مسكنه في مدة الرضاع هو حجر أمه في الغالب قاله ابن عات وغيره‏.‏ نعم على أبيه نفقته إن كان يأكل مع الرضاع وفهم من قوله والرضاع ما انقضى الخ‏.‏ أنه إذا انقضت له مدة الرضاع تكون له السكنى على أبيه وهو كذلك على أحد قولين، وبه العمل فيلزم الأب حظه من كراء البيت ‏(‏خ‏)‏ وللحاضنة قبض نفقته والسكنى بالاجتهاد ويكون عليه أيضاً إخدامه بعد تمام الرضاع إذا كان حاله يتسع لذلك كما في ابن سلمون قال‏:‏ ولا خدمة للحامل ولا للرضيع على زوجها وإن كانت مخدمة قبل الطلاق على ما به العمل إلا أن المرضع يزاد لها ما تتقوى به في الأجرة بسبب اشتغالها بالولد اه ‏(‏خ‏)‏ وتزاد المرضع ما تقوى به‏.‏

وَمُرْضَعُ لَيْسَ بِذِي مَالٍ عَلَى *** وَالِدِهِ مَا يَسْتَحِقُّ جُعِلاَ

‏(‏ومرضع‏)‏ بفتح الضاد اسم مفعول مبتدأ ‏(‏ليس‏)‏ اسمها ضمير المبتدأ ‏(‏بذي مال‏)‏ خبرها جر بالباء الزائدة، والجملة صفة للمبتدأ ‏(‏على والده‏)‏ يتعلق بجعلا آخر البيت ‏(‏ما‏)‏ مبتدأ ثان ‏(‏يستحق‏)‏ صلة والرابط محذوف ‏(‏جعلا‏)‏ بالبناء للمفعول خبر ما وما وخبرها خبر الأول، والمعنى أن الرضيع الذي لا مال له يكون جميع ما يحتاج إليه من أجرة الرضاع وغيرها على أبيه الغني، وفهم من قوله‏:‏ ليس بذي مال الخ‏.‏ أن مال الابن يقدم على مال الأب ولو في حياته، وهو كذلك على الراجح من إحدى الطريقتين لأن أجرة الرضاع كالنفقة يبدأ فيها بمال الابن وسيصرح بهذا في قوله‏:‏ ومن له مال ففيه الفرض حق‏.‏ وكلام الناظم فيما إذا كانت أمه في العصمة أو رجعية بدليل ما بعده، لكنه أطلق فيشمل علية القدر والتي لا لبن لها لمرض ونحوه وغيرهما مع أن الحكم المذكور خاص بعلية القدر والتي لا لبن لها‏.‏ وأما غيرهما ولو رجعية فيجب عليها إرضاع ولدها بلا أجر ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وعلى الأم المتزوجة إرضاع ولدها بلا أجر إلا لعلو قدر كالبائن الخ فلو زاد الناظم بيتين فقال مثلاً‏:‏

إن ذات قدر هي أو مريضه *** وغيرها ترضعه فريضه

واستأجرت من مالها إن أعدما *** أب وكان درها قد عدما

لوفى بالمراد والدر اللبن، وبالجملة فعلية القدر التي مثلها لا يرضع ولده لعلم أو سرف أو صلاح أو جاه لا يلزمها إرضاع ولدها فإن أرضعته ولو قبل غيرها كانت لها أجرة الرضاع في مال الولد إن كان له مال فإن لم يكن له مال ففي مال الأب فإن لم يكن لهما مال لزمها إرضاعه مجاناً، وإن لم يكن لها لبن استأجرت من يرضعه من مالها، وأما غير علية القدر التي لا لبن لها فإن الأب يستأجر من يرضعه من ماله فإن لم يكن له مال استأجرت من يرضعه من مالها أيضاً‏.‏

وَمَعْ طلاقٍ أُجْرَةُ الإرْضَاعِ *** إلى تَمَامِ مُدَّةِ الرَّضَاعِ

‏(‏ومع طلاق‏)‏ يتعلق بالاستقرار في الخبر المحذوف‏.‏ ‏(‏أجرة الإرضاع‏)‏ مبتدأ خبره محذوف للعلم به أي وأجرة الرضاع واجبة لها عليه مع طلاقها البائن ‏(‏إلى تمام مدة الرضاع‏)‏ وهو الحولان وحذف الناظم نعت طلاق كما ترى وهو وارد في التنزيل كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنه ليس من أهلك‏}‏ ‏(‏هود‏:‏ 46‏)‏ أي الناجين، وقوله‏:‏ الآن جئت بالحق‏}‏ ‏(‏ البقرة‏:‏ 71‏)‏ أي البين ومن قوله مع طلاق يفهم أن البيت الذي قبله إنما هو في التي في العصمة أو من في حكمها وهي الرجعية كما مر فإن لم ترض هذه البائن بما فرض لها كان للأب أخذه ويدفعه لمن يرضعه، فإن لم يقبل غيرها كان عليها إرضاعه بما فرض لها بالقضاء فإن كان الأب معسراً لا يقدر على أجرة كان عليها إرضاعه مجاناً أو بما يقدر عليه واستأجرت من مالها إن لم يكن لها لبن كما مر، وإذا وجد الأب من يرضعه مجاناً أو بأقل من الأجرة المفروضة فلا ينزعه منها ويلزمه لها أجرة المثل كما أشار له ‏(‏خ‏)‏ بقوله ولها إن قبل غيرها أجرة المثل ولو وجد من ترضعه عندها مجاناً على الأرجح في التأويل‏.‏

وَبَعْدَهَا يَبْقَى الَّذِي يَخْتَصُّ بِهْ *** حَتَّى يُرَى سُقُوطُهُ بِمُوجِبِهْ

‏(‏وبعدها‏)‏ يتعلق بقوله ‏(‏يبقى‏)‏ والضمير المؤنث لمدة الرضاع ‏(‏الذي‏)‏ فاعل بيبقى ‏(‏يختص به‏)‏ صلة والرابط هو الضمير الفاعل بيختص وضمير به للولد ‏(‏حتى‏)‏ جارة بمعنى إلى وأن مقدرة بعدها ‏(‏يرى‏)‏ بالبناء للمفعول منصوب بأن المقدرة ‏(‏سقوطها‏)‏ نائب الفاعل ‏(‏بموجبه‏)‏ يتعلق بسقوط، وأن وما دخلت عليه تسبك بمصدر مجرور بحتى يتعلق بيبقى، والمعنى أنه يبقى الذي يختص بالولد بعد مدة الرضاع من نفقة وكسوة وسكنى لازماً لأبيه إلى رؤية سقوطه عنه بموجبه وهو بلوغ الذكر عاقلاً قادراً على الكسب ودخول الزوج بالأنثى كما مرّ في قوله‏:‏

ففي الذكور للبلوغ يتصل *** وفي الإناث بالدخول ينفصل

تنبيه‏:‏

إذا طلق وادعى العسر بنفقة الولد أو أجرة رضاعه، فإن دعواه لا تقبل ولو أثبتها لأنه قبل الطلاق كان ينفق عليها وعليه واليوم عليه فقط، فهي أخف، اللهم إلا أن يثبت بالبينة أن حالته تغيرت عما كان عليه قبل الطلاق فيحلف حينئذ أنه ما كتم شيئاً ولا يستطيع من النفقة شيئاً ثم يكون رضاعه على الأم ونفقته على المسلمين أو بيت المال قال معناه اللخمي‏.‏

وَإنْ تَكُنْ مَعْ ذَاكَ ذَاتَ حَمْلِ *** زِيدَتْ لهَا نَفَقَةٌ بالْعَدْلِ

‏(‏وإن تكن‏)‏ شرط واسمها ضمير المطلقة ‏(‏مع ذاك‏)‏ يتعلق بتكن والإشارة إلى كونها مرضعاً ‏(‏ذات حمل‏)‏ خبر تكن ‏(‏زيدت‏)‏ بالبناء للمفعول ‏(‏لها‏)‏ يتعلق به ‏(‏نفقة‏)‏ نائب الفاعل ‏(‏بالعدل‏)‏‏.‏

بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَحَيْثُ بالْقَضَا *** تُؤْخَذُ وَانَفَشَّ فَمِنْهَا تُقْتَضَى

‏(‏بعد ثبوته‏)‏ يتعلقان بزيدت أيضاً، والمعنى أن المطلقة إذا كانت ذات حمل مع كونها مرضعاً فإنه يزاد لها نفقة الحمل والسكنى على أجرة الرضاع لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن‏}‏ ‏(‏الطلاق‏:‏ 6‏)‏ الآية وقوله‏:‏ وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن‏}‏ ‏(‏الطلاق‏:‏ 6‏)‏ وليس واجب الإرضاع مسقطاً ما يجب لها لأجل الحمل ‏(‏ح‏)‏‏:‏ وإن كانت مرضعة فلها نفقة الرضاع أيضاً ثم هذه النفقة التي تزاد لها تكون بالعدل بقدر وسعه وحالها والبلد والسعر، وإنما تزاد لها نفقة الحمل بعد ثبوته بشهادة القوابل إنهن لمسن بطنها لمساً تاماً شافياً فتحققن أن بها حملاً ظاهراً قد تحرك وفشا الخ‏.‏ فإن سقط من شهادتهن قد تحرك لم يعمل بها لقول ابن رشد المشهور في المذهب أن يحكم للحمل بحركته في وجوب النفقة واللعان عليه، وفي كون الأمة حرة به اه‏.‏ وقال أيضاً‏:‏ لا يتبين الحمل في أقل من ثلاثة أشهر ولا يتحرك تحركاً بيناً يصح القطع به على حركته في أقل من أربعة أشهر وعشر اه‏.‏ فإذا شهدن أنه يتحرك وهو من شهرين أو ثلاثة من يوم حاضت أو ولدت لم يعمل بها أيضاً، وإذا وجبت لها النفقة بحركته فتحاسبه بما مضى من أربعة أشهر من طلاقها‏.‏ ‏(‏وحيث‏)‏ ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه ‏(‏بالقضا‏)‏ ء يتعلق بقوله‏:‏ ‏(‏تؤخذ‏)‏ ونائبه ضميرالنفقة، والجملة في محل جر بإضافة حيث ‏(‏وانفش‏)‏ معطوف على تؤخذ وفاعله ضمير الحمل ‏(‏فمنها‏)‏ يتعلق بقوله ‏(‏تقتضى‏)‏ بالبناء للمفعول ونائبه ضمير النفقة والجملة جواب حيث والفاء رابطة‏.‏

وَإنْ يَكُنْ دَفْعٌ بِلا سُلْطَانِ *** فَفِي رُجُوعِهِ به قَوْلاَنِ

‏(‏وإن يكن‏)‏ شرط ‏(‏دفع‏)‏ اسمها ‏(‏بلا سلطان‏)‏ خبرها ‏(‏ففي رجوعه به‏)‏ خبر ‏(‏قولان‏)‏ مبتدأ والجملة جواب الشرط، والمعنى أن الحامل إذا ثبت حملها وأخذت النفقة بحكم الحاكم ثم بعد ذلك أنفش حملها، وتبين أنه لا حمل بها، وإنما هو ريح أنفش فإن النفقة التي أخذت تقتضي منها أي تؤخذ منها كلها، وكذا الكسوة ولو بعد أشهر وإن كانت النفقة دفعت لها بغير حاكم وهو مراده بقوله بلا سلطان، وأنفش الحمل كما هو الموضوع فهل يرجع الزوج بها أم لا‏؟‏ قولان في المذهب، والمشهور منهما الأول كما هو ظاهر قول ‏(‏خ‏)‏ وردت النفقة كانفشاش الحمل الحمل الخ، وظاهره أيضاً أنفق عليها بعد ظهوره وثبوته أو قبلهما، وهو كذلك كما لشراحه‏.‏ ومفهوم قول الناظم‏:‏ أنفش أنه إذا لم ينفش بل ولدته ومات أو أسقطته ميتاً فلا رجوع عليها بشيء، وهو كذلك، وإذا تنازعت مع الزوج فادعت أنها أسقطته وادعى هو أنه ريح أنفش، فالقول قولها ولو لم يوجد له أثر بلا يمين كما أشار له ‏(‏خ‏)‏ أيضاً بقوله وصدقت في انقضاء عدة الإقراء والوضع بلا يمين‏.‏

وَمَنْ لهُ مَالٌ فَفيهِ الْفَرْضُ حَقْ *** وَعَنْ أبٍ يَسْقُطُ كلُّ مَا اسَتَحَقْ

‏(‏ومن‏)‏ مبتدأ موصول واقع على الولد الصغير ‏(‏له مال‏)‏ مبتدأ وخبر صلته ‏(‏ففيه‏)‏ يتعلق بحق آخر البيت ‏(‏الفرض‏)‏ مبتدأ ‏(‏حق‏)‏ بضم الحاء فعل ماض ونائبه ضمير الفرض، والجملة خبر عن الفرض، والجملة من هذا المبتدأ وخبره خبر الموصول ودخلت الفاء في خبره لشبه الموصول بالشرط في العموم والإبهام ‏(‏وعن أب‏)‏ يتعلق بقوله ‏(‏يسقط كل‏)‏ فعل وفاعل ‏(‏ما‏)‏ مضاف إليه موصول وصلته جملة ‏(‏استحق‏)‏ بالبناء للفاعل وفاعله ضمير من والرابط محذوف، والمعنى أن كل ولد صغير كان له مال ورثه من أمه أو تصدق به عليه ونحو ذلك فإن لأبيه أن يفرض نفقته وكسوته وأجرة رضاعه فيه وسواء كان المال عيناً أو عرضاً، ويرجع الأب بما أنفق عليه من ماله الخاص به إن كان مال الابن عرضاً فقط، وجرت عادة البلد برجوع الآباء على الأبناء كما مرّ عند قوله‏:‏ ومنفق على صغير مطلقاً إلى آخر الأبيات، وإذا أنفق عليه في ختنه وعرسه وعيده فلا يلزمه إلا ما كان معروفاً لا ما كان سرفاً ‏(‏خ‏)‏‏:‏ والنفقة على الطفل بالمعروف، وفي ختنه وعرسه وعيده‏.‏ ابن القاسم‏:‏ ما أنفقه على اللعابين في عرسه ونحوه لا يلزم الولد‏.‏

وكُلُّ مَا يَرْجِعُ لافْتِرَاضِ *** مُوَكَّلٌ إلى اجْتِهَادِ القَاضِي

‏(‏وكل‏)‏ مبتدأ ‏(‏ما‏)‏ مضاف إليه ‏(‏يرجع‏)‏ صلة والرابط الفاعل بيرجع ‏(‏لافتراض‏)‏ يتعلق به ‏(‏موكل‏)‏ بفتح الكاف خبر ‏(‏إلى اجتهاد القاضي‏)‏ يتعلق بالخبر المذكور‏.‏

بِحَسَبِ الأَقْوَاتِ والأَعْيَانِ *** وَالسِّعْرِ وَالزّمَانِ وَالمَكَانِ

‏(‏بحسب‏)‏ حال من اجتهاد أو يتعلق بمحذوف أي فيجتهد بحسب إلى آخره، والمعنى أن كل ما يفرض ويقدر من نفقة وكسوة وإسكان وإخدام فهو موكل إلى اجتهاد القاضي حال كون اجتهاده كائناً بحسب جنس ‏(‏الأقوات‏)‏ المعتاد أكلها في البلد من قمح أو شعير أو أرز أو ذرة وغير ذلك ‏(‏و‏)‏ بحسب ‏(‏الأعيان‏)‏ المفروض لها وعليها من غنى وغيره، فلا يلزم الموسر أن ينفق على الفقيرة كنفقته على الغنية ولا يكتفي من غير متسع الحال في إنفاقه على الغنية بما يكفيه في الفقيرة‏.‏

واعلم أن الأعيان أربعة‏:‏ غني ومتوسط ومقل وعديم، ولكن فرض عامة الناس عندنا بفاس حرسها الله كما في الشيخ ‏(‏م‏)‏‏:‏ وهو الذي رأيت عملهم اليوم عليه فرض الإقلال كان الزوج رفيعاً أو وضيعاً ولو كان تاجراً إلا إذا أثبت عدمه فيفرض عليه فرض العديم ولا تطلق عليه كما قال ‏(‏خ‏)‏ لا أن قدر على القوت وما يواري العورة وأن غنية أي فلا تطلق عليه قال ابن سلمون‏:‏ فإن ادعى أنه معسر فلا يفرض عليه فرض المعسر حتى يثبت هذا الرسم الذي نصه يعرف شهوده فلاناً ويعلمونه ضعيف الحال بادي الإقلال مقدوراً عليه في رزقه وحاله متصلاً على ذلك حتى الآن وبذلك قيدوا شهادتهم في كذا، فإذا ثبت هذا العقد سقط عنه الإنفاق الذي يلزم الموسر، وكان عليه غليظ الثياب والقوت من الدقيق أو الخبز إن كان لا يستطيع الدقيق وسقط عنه الإدام ويدفع ذلك بالشهر أو بالجمعة أو باليوم اه‏.‏ فإن ادعى العجز حتى عن الدقيق والخبز يعني بغير إدام فإنها تطلق عليه كما يأتي في الفصل بعده، فإذا علمت هذا فالمتوسط عندنا بفاس هو المقل، ولذا حمل عامة الناس عليه عندنا والعديم قسمان عديم لا يقدر على شيء من النفقة بحال وعديم يقدر على القوت بغير أدام وما يواري العورة من غليظ الثياب فلا تطلق عليه ‏(‏و‏)‏ بحسب ‏(‏السعر‏)‏ فيوسع في الرخاء دون الغلاء ‏(‏و‏)‏ بحسب ‏(‏الزمان‏)‏ فليس زمان الشتاء كالصيف ‏(‏و‏)‏ بحسب ‏(‏المكان‏)‏ إن كان أكل أهل بلدها الشعير ونحوه أكلته وأمر الإدام كذلك فيفرض الماء والزيت والحطب والملح واللحم المرة بعد المرة لمتسع ومرة في كل جمعة لمتوسط ولا يفرض عسل ولا سمن ولا فاكهة إلا أن يكون السمن إداماً لأهل بلدها كما عندنا بفاس فيفرض، وأما أهل البادية فينقص لهم الوقود والصابون والزيت وما عداه يلزمهم‏.‏ ابن الفخار‏:‏ يلزم المليء في نفقة زوجته مدان في كل يوم بمده عليه الصلاة والسلام والمتوسط يلزمه مد ونصف اه‏.‏ ابن الحاجب‏:‏ وقدر مالك المد في اليوم وقدر ابن القاسم ويبتين ونصفاً في الشهر إلى ثلاثة لأن مالكاً بالمدينة وابن القاسم بمصر، ضيح‏:‏ المراد بالمد هنا الهاشمي وهو المنسوب إلى هاشم بن إسماعيل المخزومي وكان أميراً بالمدينة في خلافة هشام بن عبد الملك وقدره مد وثلثان بمده ‏(‏صلى الله عليه وسلم‏)‏، والويبة اثنان وعشرون مداً بمده ‏(‏صلى الله عليه وسلم‏)‏ اه‏.‏ وما تقدم في قدر المد الهاشمي هو المشهور، وقيل هو مد وثلث وقيل مدان حكى هذه الأقوال ابن الحاجب، وأمر الكسوة يعتبر فيه ما تقدم في النفقة من الأعيان والسعر والزمان والمكان فإن كانت حديثة عهد بالبناء فليس عليه سوى شورتها التي تجهزت بها إليه من ملبس وغطاء ووطاء، وإن لم يكن في صداقها ما تتشور به أو لقلته أو بعد عهدها بالبناء حتى خلقت شورتها فعليه كسوتها يفرض لها في الصيف ما يليق به، وفي الشتاء ما يليق به وليس المراد أن يكسوها في كل صيف وشتاء بل حتى تخلق كسوة كل منهما ابن سلمون قال بعض المفتين‏:‏ إن كان الصداق واسعاً فلا كسوة لها عليه قبل العام، وإن كان ضيقاً فعليه الكسوة معنى طلبتها اه‏.‏

قلت‏:‏ الظاهر أن المعتمد هو الأول وإن ذلك لا يضبط بعام ولا بغيره وإنما المدار على اختلاف شورتها، ثم إن الحاكم مخير إن شاء آخذ الزوج بما يفرض عليه بعينه، وإن شاء آخذه بثمنه ‏(‏خ‏)‏‏:‏ ويجوز إعطاء الثمن عما لزمه لزوجته من الأعيان المفروضة‏.‏ ابن بشير‏:‏ لو أراد الزوج أن يدفع إلى المرأة ما فرض لها وطلبت هي ثمنه لكان لها ذلك اه‏.‏ والعادة عندنا بفاس أن تفرض الأثمان إلا الطعام فيفرض بعينه، وإذا فرضت الأعيان وقبضتها فإنها تدخل في ضمانها بالقبض ‏(‏خ‏)‏ وضمنت بالقبض كنفقة الولد إلا لبينة الخ‏.‏ وللقاضي العدل سيدي محمد بن سودة رحمه الله نظم فيما يفرض رأيت إثباته هنا زيادة للإيضاح، وإن كان فيه مخالفة لبعض ما تقدم ونصه‏:‏

وفرض بالغ ومن قد رهقا *** من الرجال والنسا توافقا

فقوت الإقلال بنصف شهر *** خمسة آصع دقيقاً فادر

ونصف رطل من نقي سمن *** ومثله زيتاً عليه فأبن

كذا من الشحم أو الخليع *** نصيف رطل فاصغ للتوزيع

واللحم نصف ربع وحنا *** ثمن رطل ربع رطل جبنا

لبانه أو ضعفه زيتونا *** ونصف رطل للنقا صابونا

أوقية سكية لصرف ما *** يفرض من ملح ولحم لزما

وزينة مثل سواك كحل *** مشط وغاسول ودهن بقل

وزد أكولة ومرضعاً على *** مقدار خمسة لها وكملا

وإن تشأ أثمان كل المآكل *** وضف إليها الصرف ثم أجمل

وذا به العمل في ذا العصر *** في فرض نائب قضاة المصر

والخادم البالغ في ذا الجنس *** لولد أو والد أو عرس

قدر من الأربعة الأخماس *** من فرض بالغ بلا التباس

فصل في الطلاق بالإعسار بالنفقة وما يلحق بها

من الإعسار بالصداق والإخدام‏.‏

الزَّوْجُ إنْ عَجَزَ عَنْ إنْفَاقِ *** لأَجْلِ شَهْرَيْنِ ذُو اسْتِحْقَاقِ

‏(‏الزوج‏)‏ مبتدأ ‏(‏إن عجز‏)‏ بفتح الجيم وكسرها كما في القاموس شرط حذف جوابه للدلالة عليه ‏(‏عن إنفاق‏)‏ يتعلق به ‏(‏لأجل‏)‏ يتعلق باستحقاق ‏(‏شهرين‏)‏ بدل ‏(‏ذو استحقاق‏)‏ خبر المبتدأ، والمعنى أن الزوج إذا عجز عن نفقة زوجته بعد أن دخل بها أو بعد أن دعي إلى البناء أي عجز عن القوت أو ما يواري العورة كما مرّ في البيت قبل الفصل وكما يأتي فإنه يؤجل شهرين‏.‏

بعْدَهُمَا الطَّلاَقُ لا مِنْ فِعْلِهِ *** وَعَاجِزٌ عَنْ كِسْوَةٍ كَمِثْلِهِ

‏(‏بعدهما‏)‏ خبر عن قوله ‏(‏الطلاق لا‏)‏ عاطفة على محذوف أي من فعل الحاكم لا ‏(‏من فعله‏)‏ أي الزوج وهذا إذا امتنع الزوج من الطلاق، فحينئذ يطلق الحاكم عليه أو يأمرها به فتوقعه كما مرّ في الضرر والعيوب وكما يأتي قريباً في قوله وباختيارها يقع‏.‏ ‏(‏ وعاجز عن كسوة‏)‏ مبتدأ سوغه عمله في المجرور ‏(‏كمثله‏)‏ خبره أي كمثل العاجز عن الإنفاق في التأجيل المذكور فإذا قدر على القوت وعجز عما يواري العورة فيؤجل الأجل المذكور فإن أتى بما يواريها فذاك وإلاَّ أمر بطلاقها، فإن أبى طلقها الحاكم أو أمرها به فتوقعه كما مر‏.‏

ولما كان الأجل المذكور غير محتم بحيث لا يعدل عنه بل هو من جملة الآجال التي هي موكولة لاجتهاد الحكام فيوسعونها على من يرجى يسره ولا يوسعونها على من لا يرجى منه ذلك وعلى ما يرونه من حاجة صبر المرأة وعدم صبرها قال‏:‏

وَلاجْتِهَادِ الحَاكِمِينَ يُجْعَلُ *** في العَجْزِ عَنْ هذَا وَهذَا الأَجَلُ

‏(‏ولاجتهاد الحاكمين يجعل في العجز عن هذا‏)‏ أي الإنفاق ‏(‏وهذا‏)‏ اللباس المعبر عنه بالكسوة ‏(‏الأجل‏)‏ نائب فاعل يجعل والمجروران يتعلقان به والإشارة الأولى للإنفاق والثانية للكسوة وذكره باعتبار اللباس‏.‏

وَذَاكَ مِنْ بَعْدِ ثُبُوتِ مَا يَجِبْ *** كَمثلِ عِصْمَةٍ وَحالِ مَنْ طُلِبْ

‏(‏وذاك‏)‏ مبتدأ والإشارة إلى ما ذكر من التطليق والتأجيل ‏(‏من بعد ثبوت ما يجب‏)‏ خبره وفاعل يجب ضمير يعود على ما وهو على حذف مضاف أي من بعد ثبوت ما يجب ثبوته ‏(‏ كمثل‏)‏ اتصال ‏(‏عصمة‏)‏ بين الزوجين ‏(‏و‏)‏ مثل ‏(‏حال من‏)‏ أي الزوج الذي ‏(‏طلب‏)‏ بالنفقة والكسوة من ثبوت عسره بهما وحلفه أنه لا مال له، وأنه لا يقدر على ما فرض عليه، فحينئذ يؤجل ثم تطلق عليه بعده فقول الناظم‏:‏ الزوج إن عجز الخ‏.‏ أي ادعى العجز فإن وافقته المرأة فلا يحتاج إلى ثبوته بالبينة وإن كذبته فلا بد من ثبوته بها، وظاهره أنه إذا ادعاه لا يسجن ولا يؤاخذ بضامن حتى يثبته إذ لا يكلف بضامن إلا لو كان يسجن إذا عجز عنه وهو كذلك ‏(‏خ‏)‏‏:‏ فيأمره الحاكم إن لم يثبت عسره بالنفقة والكسوة أو الطلاق‏.‏ وإلا بأن ثبت أي بالبينة أو بإقرارهما تلوم له بالاجتهاد، وزيد إن مرض أو سجن ثم طلق عليه وإن غائباً أو وجد ما يمسك الحياة اه‏.‏ وفي البرزلي ولا يحبس في نفقة زوجته ويجبر بين النفقة أو التطليق وإن ثبت عدمه ضرب له السلطان أجل شهرين فإن لم يوسر طلقت عليه وتكون معه في خلل التأجيل، وإذا علم له مال وظهر لدده سجنه السلطان في أمر الزوجة والأولاد ولو طلبته بنفقة أنفقتها على نفسها فيما مضى لوجب سجنه لها لأنها دين تحاص به الغرماء وتسقط بها الزكاة، وفي المستقبل لا تسقط يعني ولا تطلق بعجزه عن النفقة الماضية ‏(‏خ‏)‏‏:‏ ولها الفسخ إن عجز عن نفقة حاضرة لا ماضية الخ‏.‏ وقال‏:‏ أعني البرزلي قبيل ما مرّ عنه سئل ابن الحاج عن المليء إذا قال‏:‏ لا أنفق على زوجتي هل تطلق عليه‏؟‏ فأجاب‏:‏ ينفق عليها من ماله حتى يطلقها ويحتمل أن يقال له أنفق فإن قال لا قيل له طلق فإن أبى طلق عليه‏.‏ البرزلي‏:‏ وحكى عياض عن المبسوطة فيمن له مال ظاهر وهو حاضر أيؤخذ من أمواله فيدفع لها النفقة‏؟‏ قال‏:‏ بل يفرض لها عليه ويأمره بالدفع لها فإن فعل فذاك وإلاَّ وقف فإما أنفق أو طلق عليه‏.‏ وفي الواضحة إن لم يكن له مال ظاهر وعرف ملاؤه فرض عليه، وإن عرف عدمه لم يفرض عليه وهي مخيرة في الصبر بلا نفقة أو تطلق نفسها عليه، وكذلك إذا جهل حاله، وفي المدونة احتمال القولين اه‏.‏ أي احتمال القولين اللذين أشار لهما ابن الحاجب من أنه يؤخذ من ماله وينفق عليها منه حتى يطلقها أو يقال له أنفق الخ‏.‏ والظاهر أنه إذا قال‏:‏ أنا أنفق فإنه يؤاخذ بالضامن لأنه حينئذ بمنزلة من اعترف بأنه مليء بها قادر عليها وذلك بمنزلة من له مال وهو ظاهر، وفي ابن سلمون فإن ادعى العجز عن النفقة وكذلك عن القوت وعن ما يواري العورة من الكسوة وادعى العدم فلا يحبس حتى تقوم عليه شبهة يظهر بها لدده وعليه إثبات ذلك إن كذبته المرأة، فإذا أثبت ذلك حلف أنه لا مال له، وأن الذي يفرض عليه لا يقدر عليه فإذا حلف أجل في الكسوة إن قدر على النفقة دون الكسوة وفرق بينهما بعد الشهرين ونحوهما، وإن لم يقدر على واحد منهما فلا يؤجل إلا دون ذلك وذلك إلى اجتهاد الحاكم، وإذا أثبت ذلك أو أقر بالعجز ووافقته الزوجة أجله الحاكم في الإنفاق عليها الشهر ونحوه، وتكون معه في خلل التأجيل ولا يتبعه بنفقة زمن الإعسار، وإن علم له مال وظهر لدده كان للسلطان أن يسجنه اه‏.‏

فرع‏:‏ تقدم عن البرزلي أنه إذا كان له مال ظاهر سجن في نفقة الزوجة وفي نفقة أولاده، وأما إذا عجز عن نفقة الأولاد دون الزوجة فإن الزوجة لا تطلق عليه بعسره عن نفقة صغار الأولاد كما في ابن سلمون وغيره، وتكون نفقة الصغار حينئذ في بيت مال المسلمين أو على جميعهم‏.‏

وَوَاجِدٌ نَفَقَةً وَمَا ابْتَنَى *** وَعَنْ صَدَاقٍ عَجْزُهُ تَبَيَّنَا

‏(‏وواجد‏)‏ مبتدأ ‏(‏نفقة‏)‏ مفعوله ‏(‏وما ابتنى‏)‏ جملة حالية ‏(‏وعن صداق‏)‏ يتعلق بقوله ‏(‏عجزه‏)‏ وجملة ‏(‏تبينا‏)‏ خبر عجزه، والجملة من المبتدأ والخبر معطوفة على الجملة الحالية قبلها ‏(‏تأجيله‏)‏‏.‏

تَأْجِيلُهُ عَامَانِ وَابْنُ الْقَاسِمِ *** يَجْعَلُ ذَاكَ لاجْتِهَادِ الحَاكِمِ

مبتدأ ثان ‏(‏عامان‏)‏ خبره والجملة خبر واحد ‏(‏وابن القاسم‏)‏ مبتدأ خبره ‏(‏يجعل ذاك لاجتهاد الحاكم‏)‏ ومعناه أن من قدر على إجراء نفقة زوجته التي لم يدخل بها حين دعته إليه فطالبته بالصداق، فأثبت عجزه عنه بالبينة أو بإقرار الزوجة وأبى الطلاق وسأل التأخير لتحصيله، فإنه يؤجل لذلك سنتين على ما لمالك في المختصر، وعن ابن القاسم أن ذلك موكول لاجتهاد الحاكم، وعليه اقتصر ‏(‏خ‏)‏ حيث قال‏:‏ وإن لم يجده أي الصداق أجل لإثبات عسرته به ثلاثة أسابيع، ثم إذا أثبتها تلوم بالنظر وعمل بسنة وشهر، ثم طلق عليه ووجب نصفه اه‏.‏ فقوله‏:‏ وعمل بسنة وشهر جزئي من جزئيات قوله‏:‏ ثم تلوم بالنظر أي‏:‏ ومن النظر أن القضاة والموثقين تلوموا بسنة وشهر وفيهم إسوة لمن اقتدى بهم فلو قال الناظم‏:‏

وعاجز عن مهرها قبل البنا *** تأجيله عام وشهر عينا

إن كان منفقاً بذا التأجيل *** وغيره طلق بلا تعجيل

ونصفه وجب بالطلاق *** تتبعه به لدى الحذاق

وظاهره أنه يؤجل بما ذكر كان ممن يرجى يسره أم لا، وهو كذلك على الصحيح ‏(‏خ‏)‏ وفي التلوم لمن لا يرجى وصحح أو لا يتلوم لمن لا يرجى تأويلان، ومفهوم تبينا أنه إذا لم يتبين عجزه، ولكن ادعاه فقط فإنه يؤجل لإثباته وبيانه بثلاثة أسابيع كما مر عن ‏(‏خ‏)‏ لكن إذا أجل لإثباته فلا بد من حميل بالوجه خشية تغيبه وإن لم يأت به سجن كسائر الديون بخلاف النفقة فلا يسجن فيها كما مر فوق هذين البيتين ثم إذا انقضت ثلاثة أسابيع ولم يثبته وطلبت الزيادة فلا يسجن إن استمر الحميل على الحمالة، وإلا سجن، ثم أخرج المجهول إن طال حبسه كالدين فإن أثبت العدم ابتداء أو بعد التأجيل بثلاثة أسابيع تلوم له بسنة وشهر على ما به العمل أو بالعامين على ما صدر به الناظم بغير حميل، لأنه ثبت عدمه فلا معنى لتكليفه بالحميل حينئذ خلافاً للزرقاني، فإن هرب طلقها الحاكم عليه عند انقضاء أجل التلوم، وهذا كله في المجهول كما أفهمه قوله‏:‏ تبينا أي تبين عجزه بالبينة العادلة لا بغيرها، فعن ابن أبي زيد في رجل طولب بصداق امرأته فأتى بشهود منهم من يتوسم فيه الخير شهدوا بفقره ولم يجد غيرهم فقال‏:‏ لا يقضي في عدالة الشهود بمثل هذا التوسم، ولكنه يكون حبسه بمقدار قوة الظن بتصديق الشهود وضعفه اه‏.‏ وأما إن كان معلوم الملاء وله مال ظاهر فإن المهر يؤخذ منه ويؤمر بالبناء من غير تأجيل كما يفيده ‏(‏ح‏)‏‏.‏ وصدر به الشارح خلافاً لما ذكره في آخر تقريره من أن معلوم الملاء يؤديه أو تطلق عليه، وأما ظاهر الملاء فإنه يحبس إلا أن يأتي ببينة تشهد بعسره حيث لم تطل المدة بحيث يحصل الإضرار لها بذلك، وإلاَّ طلقت نفسها، وأما من غلب على الظن عسره كالبقال ونحوه فلا يؤجل لإثباته كما في الشارح، وفي التلوم له التأويلان المتقدمان، ومفهوم واجد نفقة أنه إذا لم يجدها فلا يؤجل بالعامين ولا بغيرهما، ولها أن تطلق نفسها من حينها وهو كذلك على الراجح، وعن ابن حبيب إذا لم يجد النفقة أجل من الأشهر إلى السنة، ومفهوم وما ابتنى الخ أنه إذا بنى بها لا تطلق بعسره عن الصداق ‏(‏خ‏)‏‏:‏ ولها منع نفسها وأن معيبة من الدخول والوطء بعده إلى تسليم ما حل من الصداق لا بعد الوطء إلا أن يستحق الخ فما في ‏(‏ز‏)‏ وتبعه ‏(‏ت‏)‏ من نسبة ذلك ل ‏(‏تت‏)‏ غفلة ظاهرة عما في المصنف‏.‏

تنبيه‏:‏

فإن طلق الحاكم عليه قبل التلوم له بسنة وشهر أو بالعامين فينظر فإن كان ممن يرجى يسره وحصل له اليسر بالفعل في مدة التلوم على تقدير أن لو تلوم له فلا يمضي طلاقه لأنه وقع في غير محله لأن من يرجى يتلوم له اتفاقاً وإن كان ممن لا يرجى فحصل اليسر في مدة التلوم أيضاً فكذلك عند من يقول يتلوم له وهو الراجح، ويمكن أن يقال يمضي طلاقه لأنه حكم بمختلف فيه لكن قضاة اليوم لا يمضي حكمهم بخلاف المشهور أو الراجح أو المعمول به‏.‏

وَزَوْجَةُ الْغَائِبِ حَيْثُ أَمَّلَتْ *** فِرَاقُ زَوْجِهَا بِشَهْرٍ أُجِّلَتْ

‏(‏وزوجة الغائب‏)‏ مبتدأ خبره أجلت آخر البيت ‏(‏حيث‏)‏ ظرف يتعلق بأجلت ‏(‏أملت فراق زوجها‏)‏ الجملة في محل جر بإضافة حيث ‏(‏بشهر‏)‏ يتعلق ب ‏(‏أجلت‏)‏‏.‏ والمعنى أن زوجة البعيد الغيبة على عشرة أيام فأكثر كان معلوم الموضع أو مجهوله أسيراً أو غيره دخل بها أم لا‏.‏ على المعتمد كما هو ظاهر النظم في ذلك كله إذا طلبت فراق زوجها بسبب النفقة لكونه غاب عنها ولم يترك لها نفقة، ولا ما تعدى فيه فإنها تجاب إلى ذلك وتؤجل شهراً بعد ثبوت الغيبة وكونه غاب قبل البناء أو بعده بموضع كذا أو لا يعلمون موضعه، وأنه غاب منذ كذا ولا يعلمونه ترك لها نفقة ولا كسوة ولا شيئاً تمون به نفسها ولا ما تعدى فيه ولا أنه آب إليها ولا بعث بشيء ورد عليها في علمهم إلى حين تاريخه، ثم يؤجله القاضي في الإنفاق عليها شهراً، كما اقتصر عليه ابن فتحون في وثائقه وعليه عول الناظم حيث قال‏:‏ وبشهر أجلت‏.‏ وصفته‏؟‏ أجل قاضي مدينة كذا وهو أعزه الله وحرسها الزوج المشهود بغيبته أعلاه أو حوله في الإياب لزوجته المذكورة من غيبته المذكورة وإجراء النفقة والكسوة، وسائر المؤن كلها أجلاً مبلغه شهر واحد مبدؤه من غد تاريخه استقصاء لحجته وإبلاغاً في الإعذار إليه شهد عليه من أشهده به وهو بحيث يجب له ذلك من حيث ذكر وفي كذا فإذا انقضى الأجل ولم يقدم خير ‏(‏ت‏)‏‏:‏ فإن شاءت حلفت وطلقت نفسها بكراً كانت أو ثيباً وليس لأبيها القيام عنها إلا بتوكيلها كما في ابن عرفة وابن سلمون وتكتب في ذلك لما انصرم الأجل أعلاه أو حوله، ولم يقدم الزوج المذكور من غيبته المذكورة وسألت الزوجة من يجب سدده الله النظر لها في ذلك، فاقتضى نظره إحلافها على جميع ما تقدم لما شهدت به بينة الغيبة فحلفت على جميع ذلك بنصه بحيث يجب وكما يجب يميناً‏.‏ قالت فيها بالله الذي لا إله إلا هو لقد غاب عني زوجي فلان الخ‏.‏ ولما تم حلفها وكملت يمينها وثبت ذلك لديه أذن لها في تطليق نفسها فطلقت نفسها عليه طلقة واحدة قبل البناء ملكت بها أمر نفسها أو بعد البناء يملك بها رجعتها إن قدم موسراً في عدتها وأمرها بالاعتداد وإرجاء الحجة للغائب متى قدم فمن حضر اليمين المنصوصة واستوعبها من الزوجة ويعرف الإذن فيها، وفي الطلاق من القاضي المذكور وأشهدته الحالفة المذكورة بما فيه عنها وعرفها بأتمه قيده شاهداً به في كذا وهو معنى قوله‏:‏

وبانْقِضَاءِ الأجَلِ الطَّلاَقُ مَعْ *** يَمِينِهَا وَباخْتِيَارِهَا يَقَعْ

والباء في قوله وبانقضاء للمصاحبة أو للسببية أو بمعنى مع خبر مقدم عن قوله الطلاق ومع في محل نصب على الحال أي والطلاق واقع على الزوج مصاحباً لانقضاء الأجل أي بسببه أو معه في حال كونه مع يمين الزوجة، وقوله وباختيارها يقع جملة مستأنفة قاله اليزناسني‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ تقدم في فصل الضرر إذا حلفت بعد مضي التأجيل من غير إذن القاضي لها في الحلف ولا في الطلاق فإن ذلك نافذ فانظره هناك‏.‏ الثاني‏:‏ تقدم أيضاً في المحل المذكور أن الزوج إذا تعصب بمحل لا تناله الأحكام فحكمه حكم الغائب فيجري عليه حكمه ولزوجته الطلاق بعدم النفقة إذ الهاربة من زوجها المقيم في بلد لا تناله الأحكام فيه لا تسقط نفقتها عنه‏.‏

الثالث‏:‏ الغائب الذي لا مال له ولكن لا يمكنها الوصول إليه إلا بمشقة لعدم من ينصفها كما في البوادي ورؤوس الجبال لتعذر الأحكام الشرعية فيهما غالباً حكمه حكم العاجز الحاضر كما لابن فتحون، ونقله ابن عات في طرره، واعتمده ابن عبد السلام وهو الصواب خلافاً لما في الوثائق المجموعة من أنه إذا كان له مال لا يمكنها الوصول إليه يفرض لها النفقة وكان ذلك لها ديناً عليه تأخذه به إذا قدم لأنه لا معنى لإلزام المرأة أن تسلفه النفقة على نفسها من مالها أو من غيره لترجع في المال الذي بيد الغائب إن علم، أو في المال الذي لا يتوصل إليه إلا بمشقة ولو مأموناً كالعقار مع احتمال سلامة الزوج والمال ووصولها إلى ذلك وعدم وصولها لاستغراق الديون له، ولذا قال ابن رحال في شرحه ما في الوثائق المجموعة خلاف المذهب، وإن كان نحوه في البيان، واعترض به ابن عرفة على ابن عبد السلام فلا يسلم له الاعتراض‏.‏

الرابع‏:‏ إذا قدم الزوج وجرح شهود الغيبة، ولم تجد المرأة غيرهم ردت إليه وفرق بينها وبين الزوج الثاني قاله غير واحد وهو معنى قول ‏(‏خ‏)‏ عاطفاً على ما ترد فيه الزوجة للأول والمطلقة لعدم النفقة، ثم ظهر إسقاطها خلافاً لما في ابن رشد في بينة شهدت بمغيب الزوج وأنه لا مال له تعدى فيه الخ‏.‏ ثم بعد أن حلفت المرأة وطلقت نفسها قالت البينة المذكورة أن له أنقاض حجرة قيمتها سبعة مثاقيل أو نحوها وأنهم كانوا يعرفون ذلك وقت الشهادة وجهلوا أن الأنقاض تباع في نفقتها أو شهد بذلك غير بينة الغيبة فقال‏:‏ الطلاق نافذ لا يرد برجوع البينة سواء شهد بالأنقاض البينة التي حكم بها أو غيرهم ففتوى ابن رشد هذه مخالفة للمذهب وإن سلمها ابن عرفة والأجهوري‏.‏

الخامس‏:‏ إذا عجزت المرأة عن إثبات غيبة زوجها لغربتها وعدم من يعرف زوجها فإن القاضي يحلفها اليمين المتقدمة وتطلق نفسها إن شاءت ويسمي الحاكم في حكمه الزوج الذي ذكرت ويصفه بما ذكرت فإن قدم وأنكر الزوجية لم يضر وإن أقر بها وقع عليه الطلاق قاله اللخمي والسيوري وغيرهما كما في البرزلي ونقله ‏(‏ح‏)‏‏.‏

السادس‏:‏ إذا أثبتت الزوجة عيبة زوجها وعدم ما تنفق منه على نفسها فتطوع قريب أو أجنبي بنفقتها فقال أبو بكر بن عبد الرحمن وغيره وهو المعتمد ليس لها أن تطلق نفسها لأن سبب الفراق وهو عدم النفقة قد ارتفع وزال خلافاً لابن الكاتب في قوله إن لها أن تفارقه‏.‏

وَمَنْ عَنِ الإخْدامِ عَجْزُهُ ظَهَرْ *** فَلاَ طَلاَقَ وَبِذَا الحُكْمُ اشْتَهَرْ

‏(‏ومن‏)‏ مبتدأ موصول ‏(‏عن الإخدام‏)‏ يتعلق بقوله ‏(‏عجزه‏)‏ وهو مبتدأ ‏(‏ظهر‏)‏ خبره والجملة صلة الموصول ‏(‏فلا‏)‏ نافية للجنس ‏(‏طلاق‏)‏ اسمها وخبرها محذوف أي عليه والجملة خبر الموصول ‏(‏وبذا‏)‏ يتعلق بما بعده ‏(‏الحكم‏)‏ مبتدأ خبره ‏(‏اشتهر‏)‏ أي إذا كانت الزوجة من أهل الإخدام فإنه يجب عليه إخدامها ولو لم يشترط في عقد النكاح كما في ‏(‏ خ‏)‏ وغيره فإذا قدر على النفقة والكسوة وعجز عن الخدمة وأثبت عجزه عنها بالبينة أو بإقرار الزوجة فإنها لا تطلق عليه وسقط حقها في الخدمة على المشهور المعمول به كما في المتيطية وغيرها، ومحل هذا إذا لم يكتب عليه الموثق في وثيقة النكاح أن الزوج علم بأن زوجته هذه ممن لا تخدم نفسها لمالها ومنصبها فطاع بالتزام خدمتها وأقر أنه ممن يلزمه ذلك وأن ماله متسع لإخدامها وإلاَّ فلا يقبل قوله إنه عاجز عن إخدامها ولو شهدت له البينة به لم ينفعه لاعترافه بسعة ماله إلا أن يعلم أنه أصابه أمر أذهب ماله كما قالوه في الغريم يعترف لرب الدين بملائه به ثم يقيم بينة بعدمه به قاله في المتيطية ونقله ابن عرفة‏.‏

تنبيه‏:‏

تقدم في البيتين قبله أنه ليس للأب أن يخاصم عن ابنته في النفقة إلا بتوكيل منها ولو سفيهة لأن لها أن تقيم معه بغير نفقة، بل إذا رضيت بسكنى زوجها معها في دارها وإنفاقها على نفسها من مالها فإنها تجاب إلى ذلك ولا مقال لحاجرها لأن من حجتها أن تقول إن كلفته بنفقتي طلقني ورجعت أسكن بداري وحدي وأنفق على نفسي من مالي ولا أتزوج سواه فبقائي مع زوجي بداري وإنفاقي على نفسي أحسن لي قاله عياض عن شيوخ الأندلس ونقله ابن عرفة وغيره‏.‏

فصل في أحكام المفقودين

الأربعة لأن الفقد إما أن يكون في أرض كفر أو إسلام وحكم كل إما في غير حرب أو فيه، ولكل واحد منهم حكم يخصه ابن عرفة المفقود من انقطع خبره ممكن الكشف عنه اه‏.‏ فخرج الأسير لأنه معلوم خبره وخرج المحبوس الذي لا يستطاع الكشف عنه لأنه يمكن الكشف عنه إذ عدم التوصل إليه إنما هو لشدة حراس السجن ونحو ذلك فأشار الناظم إلى القسم الأول فقال‏:‏

وَحُكْمُ مَفْقُودِ بِأَرْضِ الكُفْرِ *** في غَيْرِ حَرْبٍ حُكْمُ مَنْ فِي الأسْرِ

‏(‏وحكم مفقود بأرض الكفر في غير حرب حكم من في الأسر‏)‏ أي الأسير المجهول الحياة، وحكم الأسير المذكور باعتبار زوجته وماله أن ماله لا يورث حتى تأتي عليه مدة التعمير، وكذا زوجته لا تتزوج حيث دامت نفقتها إلا بعد أجل التعمير، فكذلك المفقود في أرض الكفر بغير حرب لا يورث ماله ولا تتزوج زوجته إلا بعد التعمير كما قال‏:‏

تَعْمِيرُهُ فِي المَالِ وَالطَّلاَقُ *** مُمْتَنِعٌ مَا بَقِي الإنْفَاقُ

‏(‏تعميره‏)‏ أي المفقود المذكور ‏(‏في‏)‏ الزوجة و‏(‏المال‏)‏ واجب كتعمير الأسير فيهما فلا يورث عنه ماله وتنفق منه زوجته حتى تنقضي مدة التعمير ولا تطلق عليه مع وجود ما تنفق منه كما قال‏:‏ ‏(‏والطلاق ممتنع ما بقي الإنفاق‏)‏ ومحل امتناع الطلاق إذا لم يكن لها شرط في المغيب، وإلاَّ فلها تطليق نفسها بشرطها وإلى هذا القسم أشار ‏(‏خ‏)‏ بقوله‏:‏ وبقيت أم ولده وماله وزوجة الأسير ومفقود أرض الشرك للتعمير الخ‏.‏ والشاهد في قوله‏:‏ وزوجة الأسير ومفقود أرض الشرك يعني أهلها، ومفهوم قوله‏:‏ ما بقي الإنفاق أنه إذ لم يبق فلها التطليق وهو معنى قوله‏:‏

وَكُلُّ مَنْ لَيْسَ لَهُ مَالٌ حَرِي *** بِأَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ كَالْمُعْسِرِ

‏(‏وكل من ليس له مال‏)‏ من أسير أو مفقود بأقسامه الأربعة ‏(‏حري‏)‏ أي حقيق ‏(‏بأن يكون حكمه‏)‏ في التطليق عليه ‏(‏كالمعسر‏)‏ الغائب الذي لم يترك لزوجته نفقة فتؤجل شهراً كما مر للناظم وتحلف وتطلق نفسها كما مرّ‏.‏

تنبيه‏:‏

ظاهر كلام الناظم و‏(‏خ‏)‏ المتقدم أنه بمضي الشهور في مدة التعمير الآتية يورث ماله وتعتد زوجته ولا يتوقف ذلك على الحكم بموته والمعتمد كما لابن عرفة والمازري أن مستحق إرثه وارثه يوم الحكم حتى أنه إذا مات أحد من قرابته بعد دخول الثبوت للقاضي وقبل خروجه لا يرثه‏.‏ ابن عرفة‏:‏ وأقوال أهل المذهب بأن مستحق إرثه وارثه يوم الحكم بتمويته لا يوم بلوغه تمويته حسبما يدل عليه لفظ اللخمي والمتيطي وابن كوثر وابن الهندي وغيرهم‏.‏ وبه افتيت حين ذكر أنها نزلت وأفتى بعض الناس بإرثه مستحقه يوم بلوغه لا يوم الحكم اه‏.‏

قلت‏:‏ ما ذكره ابن عرفة من أن مستحق إرثه وارثه يوم الحكم واضح إذا لم يتأخر الحكم عن أعلى مدة التعمير كمائة وعشرين على القول بها وإلاَّ بأن تأخر عنها إلى مائة وأربعين مثلاً لغفلة الورثة ونحو ذلك كما يقع في البوادي لتعذر الأحكام عندهم، فينبغي أن مستحق إرثه هو وارثه يوم مشهور التعمير لئلا يؤدي إلى حرمان من يرث وتوريث من لا يرث على كل الأقوال، وأيضاً فإن الظاهر من فتوى المازري المنقولة في البرزلي وغيره أنهم إنما أناطوا ذلك بالحكم لما في مدة التعمير من الخلاف وهو لا يرتفع عند الأقدمين إلا بالحكم، وأما على ما عند المتأخرين من أنه يتعين الحكم بالمشهور أو الراجح أو ما به العمل فلا يتوقف إرثه ولا اعتداد زوجته على الحكم بتمويته، بل إذا قسموا يوم بلوغه مدة التعمير الذي هو السبعون على ما هو المشهور فيه فقسمهم ماض فلا يحرم من مات بعده وقبل الحكم لأن الخلاف حينئذ مرفوع بوجوب اتباع المشهور، والقاعدة أن من فعل فعلاً لو رفع إلى القاضي لم يفعل غيره ففعله ماض كما تقدمت الإشارة إليه في غير ما موضع فتأمله والله أعلم‏.‏

ثم أشار إلى مفهوم قوله في غير حرب فقال‏:‏